فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (1):

قوله تعالى: {الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)}

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{الر} بالإمالة وكذلك ما بعده: أبو عمرو وخلف وحمزة وعلي والخراز عن هبيرة والنجاري عن ورش ويحيى وابن مجاهد والنقاش عن ابن ذكوان.
{لساحر} بالألف: ابن كثير وعصام وحمزة وعلي وخلف. الآخرون {لسحر} {حقًا أنه} بالفتح.
يزيد {ضياء} بالهمز حيث كان: ابن مجاهد وأبو عون عن قنبل {يفصل} بالياء: ابن كثير وعمرو وسهل ويعقوب وحفص والمفضل والعجلي. الباقون بالنون.
{واطمأنوا} بغير همز: الأصبهاني عن ورش وحمزة في الوقف.

.الوقوف:

{آلر} ق كوفي {الحكيم} o ط {عند ربهم} ط {مبين} o {يدبر الأمر} ط {إذنه} ط {فاعبدوه} ط {تذكرون} o {جميعًا} ط، {حقًا} ط، إلا لمن قرأ {أنه} بالفتح.
{بالقسط} ط {يكفرون} o {والحساب} ط {إلا بالحق} ط لمن قرأ {نفصل} بالنون، ومن قرأ بالياء أمكنه أن يجعل {يفصل} حالًا.
{يعلمون} o {يتقون} o {غافلون} هل لا لأن {أولئك} خبر {إن} {بإيمانهم} ج ط للحذف تقديره يهديهم ربهم بإيمانهم إلى دار البقاء مع اتحاد المقصود وتمام الموعود {النعيم} o {سلام} ج ط لأن الجملتين وإن اتفقتا فقد اعترضت جملة معطوفة أخرى لأن قوله: {وآخر دعواهم} معطوف على {دعواهم} الأوّل {العالمين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

(بسم الله) أي الذي لا أمر لأحد سواه فلا كلام يشبه كلامه فلا كفوء له (الرحمن) الذي عم بكلامه جميع خلقه فأوضح البيان (الرحيم) الذي أتم لمطيعهم نعمة الامتنان.
{الر} فخم الراء ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم، وأمالها ورش عن نافع بين بين، والباقون بالإمالة المحضة، والأصل في ذلك الفتح، وكذا ما كان من أمثالها مما ألفاتها ليست منقلبة عن ياء نحو ما ولا، وإمالتها للتنبيه على أنها أسماء للحروف وليست حروفًا- نقل ذلك عن الواحدي.
لما قدم في أول الأعراف الحث على إبلاغ النصيحة بهذا الكتاب وفرغ مما اقتضاه السياق من التحذير من مثل وقائع الأولين ومصارع الماضين ومما استتبع ذلك من توصيل القول قي ترجمة هذا النبي الكريم مع قومه في أول أمره وأثنائه وآخر في سورتي الأنفال وبراءة، وختم ذلك بأن سور الكتاب تزيد كل أحد مما هو ملائم له متهيئ لقبوله وتبعده عما هو منافر له بعيد من قبول ملاءمته.
وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك قد حوى من الأوصاف والحلي والأخلاق العلى ما يوجب الإقبال عليه والإسراع إليه.
والإخبار بأن توليهم عنه لا يضره شيئًا لأن ربه كافيه لأنه لامثل له وأنه ذو العرش العظيم؛ لما كان ذلك كذلك، أعاد سبحانه القول في شأن الكتاب الذي افتتح به الأعراف وختم سورة التوبة، وزاده وصف الحكمه وأشار بأداة البعد إلى أن رتبته فيها بعيدة المنال بديعة المثال فقال: {تلك} أي الآيات العظيمة جدًا التي اشتملت عليها هذه السورة، أو السور التي تقدمت هذه السورة أو هذه الحروف المقطعة المشيرة إلى أن القرآن كلام الله وإلا لما أعجز القادرين على التلفظ بهذه الأحرف {آيات الكتاب} أي الذكر الجامع لكل خير، وهو هذا القرآن الذي وافق كل ما فيه من القصص كل ما في التوارة والإنجيل من ذلك، فدل ذلك على صدق الآتي به قطعًا لأنه لم يكن يعرف شيئًا مما في الكاتبين ولا جالس أحدًا يعلمه {الحكيم} فكان فيما مضى- أن كونه من عند الله كاف في وجوب اتباعه- وفيما هنا تأكيد الوجوب بكونه مع ذلك حكيمًا والآية: العلامة التي تنبئ عن مقطع الكلام من جهة مخصوصة، والحكيم: الناطق بالحكمة.
وهي المعروف بما يجتمع عليه مما يمنع الفعل من الفساد والنقص، استعير له ذلك لأنه دليل كالناطق بالحكمة لأنه يؤدي إلى المعرفة التي يميز بها طريق النجاة من طريق الهلاك، وهو حاكم يبين الحق من الباطل في الأصول والفروع ويحكم بالعدل الذي لا جور فيه بوجه في كل نازلة، ومحكم لما أتى به، مانع له من الفساد، لا يمحوه الماء ولا تحرقه النار ولا تغيره الدهور، وهذا ما ظهر لي في التحامها بما قبلها؛ وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تضمنت سورة براءة قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله} [براءة: 40] وقوله: {عفا الله عنك لما أذنت لهم} [براءة: 43] وقوله: {ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم} [براءة: 61] وقوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} [براءة: 128] إلى آخر السورة إلى ما تخلل أثناء آي هذه السورة الكريمة مما شهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتخصيصه بمزايا السبق والقرب والاختصاص والملاطفة في الخطاب ووصفه بالرأفة والرحمة، هذا ما انطوت هي والأنفال عليه من قهره أعداءه وتأييده ونصره عليهم وظهوره دينه وعلو دعوته وإعلاء كلمته إلى غير هذا من نعم الله سبحانه عليه، وكان ذلك كله مظنة لتعجب المرتاب وتوقف الشاك ومثيرًا لتحرك ساكن الحسد من العدو العظيم ما منحه عيه السلام، قال تعالى: {أكان للناس عجبًا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس} إلى قوله: {لساحر مبين} ثم قال: {إن ربكم الله} الآيات، فبين انفراده تعالى بالربوبية والخلق والاختراع والتدبير، فكيف تعترض أفعاله أو يطلع البشر على وجه الحكمة في كل ما يفعله ويبديه، وإذا كان الكل ملكه وخلقه فيفعل في ملكه ما يشاء ويحكم في خلقه بما يريد {ذلكم الله ربكم فاعبدوه} {ما خلق الله ذلك إلا بالحق} ثم توعد سبحانه الغافلين عن التفكر في عظيم آياته حتى أدتهم الغفلة إلى مرتكب سلفهم في العجب والإنكار حتى قالوا {مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} [الفرقان: 7] وقالوا {لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا} [الفرقان: 21] وهذه مقالات الأمم المتقدمة {قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا} [يس: 15] {قالوا أنؤمن لبشرين مثلنا} [المؤمنون: 47] {ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم} [سبأ: 43] فقال تعالى متوعدًا للغافلين: {إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا}، ثم وعد المعتبرين فقال: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم}، وكل هذا بيّن الالتحام جليل الالتئام، تناسجت آي السور- انتهى. اهـ.

.قال الفخر:

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)}
قوله جل جلاله: {الر}
وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: [في قراءة قوله: {الر}]:

قرأ نافع وابن كثير وعاصم {الر} بفتح الراء على التفخيم، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويحيى عن أبي بكر: بكسر الراء على الإمالة.
وروي عن نافع وابن عامر وحماد عن عاصم، بين الفتح والكسر، واعلم أن كلها لغات صحيحة.
قال الواحدي: الأصل ترك الإمالة في هذه الكلمات نحو ما ولا، لأن ألفاتها ليست منقلبة عن الياء، وأما من أمال فلأن هذه الألفاظ أسماء للحروف المخصوصة، فقصد بذكر الإمالة التنبيه على أنها أسماء لا حروف.

.المسألة الثانية: [في أن قوله: {الر} وحده ليس آية]:

اتفقوا على أن قوله: {الر} وحده ليس آية، واتفقوا على أن قوله: {طه} [طه: 1] وحده آية.
والفرق أن قوله: {الر} لا يشاكل مقاطع الآي التي بعده بخلاف قوله: {طه} فإنه يشاكل مقاطع الآي التي بعده.

.المسألة الثالثة: [في تفسير الكلمات المقطعة]:

الكلام المستقصى في تفسير هذا النوع من الكلمات قد تقدم في أول سورة البقرة إلا أنا نذكر هاهنا أيضًا بعض ما قيل.
قال ابن عباس {الر} معناه أنا الله أرى.
وقيل أنا الرب لا رب غيري.
وقيل {الر} و{حم} [السجدة: 1] و{ن} [القلم: 1] اسم الرحمن.
قوله تعالى: {تِلْكَ ءايات الكتاب الحكيم} فيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قوله: {تِلْكَ} يحتمل أن يكون إشارة إلى ما في هذه السورة من الآيات، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما تقدم هذه السورة من آيات القرآن، وأيضًا فالكتاب الحكيم يحتمل أن يكون المراد منه هو القرآن، ويحتمل أن يكون المراد منه غير القرآن، وهو الكتاب المخزون المكنون عند الله تعالى الذي منه نسخ كل كتاب، كما قال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ في كتاب مَّكْنُونٍ} [الواقعة: 77، 78] وقال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ في لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} [البروج: 22] وقال: {وَإِنَّهُ في أُمّ الكتاب لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 4] وقال: {يَمْحُوْا الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب} [الرعد: 39].
وإذا عرفت ما ذكرنا من الاحتمالات تحصل هاهنا حينئذ وجوه أربعة من الاحتمالات:
الاحتمال الأول: أن يقال: المراد من لفظة {تِلْكَ} الإشارة إلى الآيات الموجودة في هذه السورة، فكان التقدير تلك الآيات هي آيات الكتاب الحكيم الذي هو القرآن، وذلك لأنه تعالى وعد رسوله عليه الصلاة والسلام أن ينزل عليه كتابًا لا يمحوه الماء، ولا يغيره كرور الدهر، فالتقدير أن تلك الآيات الحاصلة في سورة {الر} هي آيات ذلك الكتاب المحكم الذي لا يمحوه الماء.
الاحتمال الثاني: أن يقال: المراد أن تلك الآيات الموجودة في هذه السورة هي آيات الكتاب المخزون المكنون عند الله.
واعلم أن على هذين القولين تكون الإشارة بقولنا: {تِلْكَ} إلى آيات هذه السورة وفيه إشكال، وهو أن {تِلْكَ} يشار بها إلى الغائب، وآيات هذه السورة حاضرة، فكيف يحسن أن يشار إليه بلفظ {تِلْكَ}.
واعلم أن هذا السؤال قد سبق مع جوابه في تفسير قوله تعالى: {الم ذلك الكتاب} [البقرة: 1، 2].
الاحتمال الثالث والرابع: أن يقال: لفظ {تِلْكَ} إشارة إلى ما تقدم هذه السورة من آيات القرآن، والمراد بها: هي آيات القرآن الحكيم، والمراد أنها هي آيات ذلك الكتاب المكنون المخزون عند الله تعالى، وفي الآية قولان آخران: أحدهما: أن يكون المراد من {الكتاب الحكيم} التوراة والإنجيل، والتقدير: أن الآيات المذكورة في هذه السورة هي الآيات المذكورة في التوراة والإنجيل، والمعنى: أن القصص المذكورة في هذه السورة موافقة للقصص المذكورة في التوراة والإنجيل، مع أن محمدًا عليه الصلاة والسلام ما كان عالمًا بالتوراة والإنجيل، هذه الموافقة لا يمكن إلا إذا خص الله تعالى محمدًا بإنزال الوحي عليه.
والثاني: وهو قول أبي مسلم: أن قوله: {الر} إشارة إلى حروف التهجي، فقوله: {الر تِلْكَ ءايات الكتاب} يعني هذه الحروف هي الأشياء التي جعلت علامات لهذا الكتاب الذي آيات به وقع التحدي.
فلولا امتياز هذا الكتاب عن كلام الناس بالوصف المعجز، وإلا لكان اختصاصه بهذا النظم، دون سائر الناس القادرين على التلفظ بهذه الحروف محالًا.
المسألة الثانية:
في وصف الكتاب بكونه حكيمًا وجوه: الأول: أن الحكيم هو ذو الحكمة بمعنى اشتمال الكتاب على الحكمة.
الثاني: أن يكون المراد وصف الكلام بصفة من تكلم به.
قال الأعشى:
وغريبة تأتي الملوك حكيمة ** قد قلتها ليقال من ذا قالها

الثالث: قال الأكثرون {الحكيم} بمعنى الحاكم، فعيل بمعنى فاعل دليله قوله تعالى: {وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكتاب بالحق لِيَحْكُمَ بَيْنَ الناس} [البقرة: 213] فالقرآن كالحاكم في الاعتقادات لتميز حقها عن باطلها، وفي الأفعال لتميز صوابها عن خطئها، وكالحاكم على أن محمدًا صادق في دعوى النبوة، لأن المعجزة الكبرى لرسولنا عليه الصلاة والسلام، ليست إلا القرآن الرابع: أن {الحكيم} بمعنى المحكم.
والأحكام معناه المنع من الفساد، فيكون المراد منه أنه لا يمحوه الماء، ولا تحرقه النار، ولا تغيره الدهور.
أو المراد منه براءته عن الكذب والتناقض.
الخامس: قال الحسن: وصف الكتاب بالحكيم، لأنه تعالى حكم فيه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وحكم فيه بالجنة لمن أطاعه وبالنار لمن عصاه، فعلى هذا {الحكيم} يكون معناه المحكوم فيه.
السادس: أن {الحكيم} في أصل اللغة: عبارة عن الذي يفعل الحكمة والصواب، فكان وصف القرآن به مجازًا، ووجه المجاز هو أنه يدل على الحكمة والصواب، فمن حيث إنه يدل على هذه المعاني صار كأنه هو الحكيم في نفسه. اهـ.

.قال السمرقندي:

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)}
قوله تعالى: {الر}؛ قال ابن عباس: يعني: أنا الله أرى من العرش إلى الثرى، فهل يرى أحد مثل ما أرى، وهكذا عن الضحاك.
وقد ذكرنا تفسير الحروف في أول سورة البقرة.
قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر {الر} بإمالة الراء وقرأ ابن كثير، وحفص بنصب الراء، وقرأ نافع بين ذلك.
{تِلْكَ ءايات الكتاب}: يعني: هذه آيات الكتاب الذي أنزل عليك يا محمد، تلك الآيات التي وعدتك يوم الميثاق أو أوحينا إليك الكتاب.
{الحكيم}؛ قال مقاتل: يعني: المحكم من الباطل، لا كذب فيها ولا اختلاف.
وقال الكلبي: يعني: بما حكم، أحكم بحلاله وحرمته ويقال: {الحكيم} يعني: الحاكم على الكتب كلها؛ ويقال: {تِلْكَ ءايات} يعني: حجج وبراهين وهي التي احتج بها النبي صلى الله عليه وسلم على دعواه. اهـ.